إن من الأهمية البالغة لكل مسلم أن ينضبط عنده ميزان الأولويات بشكل منطقي وصحيح حتى لا يقدِّم المهم على الأهم، فالمسلم مطالب بالسعي دائما نحو الأفضل وتحصيل المصالح دون المفاسد، وهو بذلك مطالب ببذل قصارى جهده لتحقيق الأَوْلى في كل ما يقوم به من أعمال دنيوية وأخروية، إلا أن بعضا من المسلمين قد أساءوا التقدير في تقديم المصالح والمفاسد, حيث يغيب عنهم فقه الواقع والقدرة على استنباط الأحكام التي تتناسب وتطورات العصر ومعطياته، التي تنبثق عنها قضايا مصيرية وملحة تقتضي وحدة المسلمين والتفاتهم لمواجهتها والعمل على حلها.
حول هذا الموضوع يتحدث الداعية الشيخ عبد الله محمود جاموس مؤكدا أن الفهم الصحيح للدين يستلزم معرفة فقه الأولويات وكيفية الموازنة والترجيح بين المصالح والمفاسد إذا تعارضت فكما يقال: (ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، ولكن العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين)، فحين يضيع ميزان الأولويات، فإننا نقع في أمور نظن أننا نحسن صنعا بها، فإذا بنا نُفسد أكثر مما نحسن.
ويشير الشيخ إلى أن بعض الأمور يجدر التنبيه إليها: منها أنه على من يقوم بالإصلاح أن يبدأ بنفسه أولاً، ثم من يعوله، وتقديم الاهتمام بأعمال القلوب على أعمال الجوارح، لأنه إذا صلح القلب صلح سائر العمل وإذا فسد القلب فلا عبرة بصلاح الظاهر عند فساد السرائر، فالإكثار من العبادات الظاهرة والاجتهاد فيها من غير إصلاح للباطن قد يقترن بما يحبط العمل ويفسده.
كذلك ينبغي البدء بصغار العلم قبل كباره، وتقديم التربية بالقدوة الحسنة والأفعال الصالحة على مجرد الكلام الخالي من التطبيق، ففي عهد السلف كان الكثير من الناس يصحبون أهل العلم للاستفادة من سمتهم وأخلاقهم قبل أن يستفيدوا من كلامهم.
ويرى الشيخ أن من فقه الأولويات أيضا تقديم الاهتمام بترك المنهيات على الاهتمام بفعل المأمورات، قال صلى الله عليه وسلم: (فَإذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه مسلم، هذا الحديث يؤكد أنَّ النَّهيَّ أشدُّ من الأمر؛ لأنَّ النَّهيَّ لم يُرَخَّصْ في ارتكاب شيء منه، أما المأمورات فقد قُيِّدَت بحسب الاستطاعة.
كما يرى أن من الأولويات تقديم العمل المُتعدِي نفعه إلى الغير على العمل القاصر نفعه على صاحبه، كمن حج حجة الفريضة، ويريد أن يحج حجة نافلة وكان الحج سيكلفه الكثير من المال، فإن الأَوْلى أن ينفق هذا المال على مَنْ يحتاج إليه كمساعدة من يريد الزواج أو كفالة يتيم أو فقير، أو أن يسدد دين عن أحد معسر ونحوه. كمن يستطيع أن يعلم الناس علماً نافعاً في وقت من الأوقات أو يذكر الله وحده منفرداً، فقيامه بتعليم الناس أولى، وذلك لتعدي نفعه وشمول خيره.